لم أعد أفعل شيئا في حياتي سوى الجلوس والنظر في سقف الغرفة، اقيس بنظري زوايا سقف الغرفة أين يبدأ وأين ينتهي. ولا ادري كيف لم ألاحظ ارتفاع مؤشر اكتئابي في الأيام الأخيرة فحسب، بل أثناء محاولتي تجاوز ما أشعر به... من ملل
ملل من الوجوه التي اعتد على مشاهدتها كل يوم في البيت والعمل.. نفس الكلام والشجار .حياتي لم تتغير منذ زواجي الذي تجاوز العشرين سنة ..
أحصيتُ كل ما زهدت فيه، وكنت من قبل أتلهف للقيام به، ويسبب لي استقراراً ما.
حالة من العتمة تجتاحني ببطء. تخلفني هامدةً كجثة لم تدفن بعد. يتقافز دود القلق من ثقوبي. لا أعلم مصدرَها. استقبلتها في البداية كحالة مؤقتة تجتاحني دوما بين فترتي إنجاز. "انتكاسة ما بعد الانتشاء" بعد حدوث شيء يثير الفرح في حياتي، لذا لم أقلق عندما وخزتني أولى بوادر الرغبة في الكمون، والانزواء عن الآخرين، اتذكر الدهشةُ التي حملها تصفح الإنترنت أول مرة انتهت. "الإنترنت مهم لكل بيت". بهذا الشعار مررت الأمر على زوجي، واخترقت حصار أسئلة أخوتي سبب انغماسي بالانترنت. لم أتلفت إلى من يرى في الإنترنت ساحة فساد، وأبي يصربرأيه"الإنترنت نهر جار لن يتوقف. أحداث تنهمر من أقصى مكان، وأغان اعتقدتُ أن الزمن التهمها". هكذا رددت، كأني أبرر لنفسي أيضا. لم أقل إن الإنترنت يخفي رجالا ملثمين خلف الشاشات البعيدة. وإن جرأة الحديث استهوتني. رسمت ملامحي كما أتمنى."الادعاء حق مكفول لمرتادي غرف الدردشة..هههههه". ثمة دهشة مع كل لقاء لا تمحوها إلا دهشة اللقاء التالي. يبدأ قوس علاقاتي بقوله:" يعجبني فكرك واسلوبك في الكتابة". ثم يمتد الحوار إلى أماكن أخرى بعد عدة لقاءات خلف الشاشة الحاسب ، تنتابني جرأة مجاراته من حيث لا أدري، يدهشني اكتشاف أرض لم أطأها، وشعور لم أجربه. تنهمر وعوده:" حتما سنلتقي". لا ادري سبب ارتياحي لك" وكأني اعرفك منذ زمن". يستمر تفاعلي طالما لا يعرف من أنا. بعد نفاد المتعه تصبح النهاية الدردشة ضرورية، بأي عبارة، أو بدون وداع. تتبعثر الوعود في الهواء، ويــُترك قــــوس النهاية مــعلقا " تجربة مثيرة". أول علاقة انتهت بملل الطرف الآخر، تركني بعد الاتفاق على تحويل الاعجاب بقلمي إلى صداقة." تجربة أكثر إثارة". الثانية انتهت بمللي من احاديثه الفارغه، اختفيتُ في أوقات أعلم تواجده فيها ، وادعيت أني لا أجد وقتا للحديث، والثالثة.. الثالثة !!..لا أتذكر كيف انتهت منه. واستنكرت كيف سمحت له التغلل في فكري.. فهو اجوف .. يريد ان يبني شباكه حولي .. ولكن لم يكن يعلم اني املك الحاسة السادسة . التي تكشف لي الاعيبه.
لم أعد تلك المراهقة الصغيرة،
كنت شعلة من الجنون ,استجدي طول القامة باستعارة حذاء أختي. أسرق سوتيان أمي وأحشوه بالقطن، وأختار كل عرس أدعى إليه مع أمي شابا ليكون فتى أحلامي. استبدله عند العثور على من هو أفضل منه. أملأ خيال صديقاتي بقصص حب ذات نهايات حزينة، حبيبي دوما على استعداد لأن يتقدم لخطبتي، لكن والده يرفض هذه الزيجة، ويأمره بالابتعاد عني لسبب أجهله. تبكي صديقتي وأضحك من بكائها في السر. كل ما أدعيه سيحدث، يلزمني الوقت فقط. تخيل ما سيحدث جعل أيامي ورودا لا تذبل. لم أعط اسما لما أفعله. لا يهمني اسمه، "مستقبل" أم "وهم". وهم جميل.
" انتكاسة ما بعد الانتشاء" أعدت الجملة بصوت خفيض وتساءلتُ:" ما الانتشاء الذي حدث حتى تعقبه انتكاسة؟". لمس الهواء القادم من المكيف وجنتي بهدوء. العتمة تغزوني ببطء لكن بإصرار" أنا أصبر نفسي". أخيرا واجهت نفسي بحالتي. يتصاعد خيط بخار من كوب الشاي . راقبته وهيئ لي وجه رجل يهمس لي بكلام الغزل وتمتمتُ" ثمة أمر ما انتظره.. ما هو؟"سيغير روتين حياتي وينعش قلبي من جديد ولكن ماهو ومتي واين ؟؟؟؟.
في كل مرحلة كان هناك ما يدفعني للخطوة التالية. "الخطوة التالية فقط" وبه تستمر خطواتي إلى مالا نهاية، يستبق خطواتي، أتلهف للخطوة التالية. قبل اكتمال الأولى. أكتفي بغفوة اعيش باحلام اليقظة ..
فترة كموني امتدت هذه المرة. حاولت أن أعطي لها اسما غير "حالة اكتئاب"، اسما ليس كبيرا كالأسماء التي أرخت بها مراحل بداياتي، اسما يحمل ما أستشعره فقط بلا زيادة أو نقصان. "الآن أنا أكبر سنا وأكثر نضجا ودراية". هكذا قررت. "لتكن استراحة محارب!. أو مراجعة لنفسي. التخفف مما علق بي من أثقال. صفحة جديدة وسطر أول". لم يرحني ما توصلت إليه من اسم. ثمة شيء أكبر يتنازعني:" الفقد والإحساس بالوحدة". هانت الحياة. فقدت رغبة الإقدام على مغامرات صغيرة. كانت في السابق تلون الحياة. تساوت الأشياء، وعرفت نهاية الخيط. حافة العتمة تحت قدمي، ولا أجد حافزا للقيام بما ورائي من أعمال.
تركت الملابس متسخة فتكدست في السلة، والغبار استراح أخيرا على الأسطح الزجاجية والأرضية. انسجمت مع قذارتي فلم يعد العرق المتراكم على جلدي يحزني كما كان يفعل، ويدفعني للهرع إلى الدش. لا أفعل سوى الإصغاء إلى صفير الصمت يدوي في الأركان. يجدها الصغير فرصة ذهبية لإلقاء الكتاب جانبا واللعب بكل ما أوتي من فرحة، ويكتفي زوجي بالجبن والخبز إذا امتنعت عن إعداد الطعام كلما لفتني هذه الحالة بدوائرها المفرغة.
"استراحة محارب..
البيت متسع.. أنتم فوضويون..
تحتاجون إلى امرأة من حديد..
إنسان آآآآلي
جمل اعتاد زوجي على سماعها في أوقات انزوائي. أعرف أن حالتي ليست كذلك، لكن كلمة اكتئاب في مجتمعي تأخذ حيزا أكبر مما تعنيه، مازالت أكبر من أن أعلنها:" هذا مؤشر جيد على كل حال". كلماته تضل عادة طريقها إلى أذني: "أنت بعيدة عن الله، صلي.. زوري صديقاتك.. مارسي الرياضة". يظل وجهي في الكتاب الذي أدعي قراءته، فيتركني ويذهب إلى غرفة أخرى. أعرف كم خطوة تفصلني عن مبنى العمل في نهاية الشارع، والوجوه التي سألتقيها هناك، الحديث متى يبدأ ومتى ينتهي. أتوقع رد فعل زوجي إذا فاجأته باستحمامي الآن، أو إذا بقيت على حالتي. كلماته في حالة الغضب وتحور ملامحه إذا حاول إخفاءه، رائحة التخمر في مذاق قبلته ومقاس حذائه. اوووووووووف. إلى أن أعود فجأة إلى نشاطي دون سبب يذكر، ربما لكثرة ما تراكم من أعباء أثناء فترة كموني!، بإقبال أقل على الحياة والتفاعل، وبدون سعادة تذكر" تأثير الهرمونات.. ربما..هههههه". أكتفي بتفسير زوجي وضحكته. أعود إلى طبيعتي ظاهريا ولا أشير إلى فجوة عتمتي السابقة.
"ثمة أمر أنتظره"
لم تشبه حالتي الآن الحالات التي كانت تمر في السابق. تمتمت" إدراكي سيرديني مجنونةً انتهت فترة الجامعة بكل ما حوته من مفاجآت، لكن حدثا ظل باقيا أنتظره. لم أحدد كنهه، ربما كان غموضه سببا لجعل مراحل الانتظار التالية تلك مثيرة. ثمة أمر يجب أن يحدث ومعه سيخرج عفريت الدهشة من صندوقه، أتوقعه كل لحظة. ربما التحاقي بالعمل في شركة كبيرة، الأماكن الجديدة تحمل وجوها مختلفة، وتصرفات مغايرة. فضولي لاكتشاف الآخرين، وفضولهم لسبر غوري، وتوددهم إلي. دهشة البدايات. الأماكن الجديدة فرصة لرسم شخصيتي كما أتمنى، وقد ألتقي رجلا يبهرني وأعجبه، يمتدح ساقي ويروقني شاربه، ونبدأ معا في قص شرائط المستقبل.
"ثمة شيء أنتظره"
برد كوب الشاي تماما. عطلت حساباتي في المنتديات وتورايت خلف ستارة من الصمت الأسود. أذهب إلى العمل صامتة وأدخل البيت أشد صمتا. أنام نصف الوقت، وأدعي النوم الوقت المتبقي. ارتخت يداي على المسند، ولم آبه للتنمل الذي بدأ يسري في أوصالي. ثمة راحة استشعرها بانقطاع علاقتي بأطرافي، ونسيانها. أصبح مجرد عينين تنظر إلى داخلي، وتحصي الخيبات. توزعت نظرتي بين يدي والكوب أولا، ثم تبعثرت على كل ما يحيط بي من فوضى. تمتمت وضحكت بسخرية." ثمة شيء أنتظره". تعتريني رغبة جامحة في تحديد كنه هذا الشيء، سيقودني إلي بياض أنتظره، إلى دهشة أوحشني فقدانها في مرحلة ما، إلى رجل لم يساعدني التخيل على رسم ملامحه. لا يخبو اشتياقي إليه بلقاء. رن الهاتف جواري فتركته، حتما ستكون إحدى الصديقات تستفسر عن غيابي عن العمل، وقد تكون أختي. واجب السؤال يحكمها. تمنيت لو جاء زوجي لأمر يخصه إلى الغرفة الآن، لأطلب شيئا واحدا:" أطفئ النور إذا سمحت".
ابتسمت بسخرية ورددت:" في الظلام وحده تتساوى كل الاشياء
حين تفقد ملامحها. "
❤ مدونة قلب العرب ❤
9 يناير 2011 في 9:46 م
الأن يكتب تعليق شخص ما في مكان ما على موضوع كتبته إحداهن في مكان ما ...كلاهما يتحدث في حرية وبدون تحفظ ...حرية مطلقة, مر بالصدفة البحته على مدونه لا يمر عليها أبداً
ليقرأ كلمات تعبر عن كائن بشري ...إنسان فقط
هذه هي الحلقة المشتركة بيننا
الإنسان
لا أعلم هذا هو ما أحتل تفكيري وأن أقرأ كلماتك
الخطأ البشري اللذيذ في الكثير من الأوقات والذي نشتهيه كثيراً هو الذي يطل برأسه من بين كلماتك
..
لن أقول لك النصائح وما يجب وما لا يجب
أنتي تعلمين ذلك تماماً تحلمين ما يجب وما لا يجب
ولكن هذا هو الإنسان